معلومات عنا
والهواء والنبات والحيوان وما شاكلها، هي كلها في نفسه أنه يسكنه مدة ويرحل عنه بعد ذلك. فاقتصر على الفكرة في جلاله وحسن بهائه، ولم يعرض عنه حتى وافته منيته وهو على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عليه، والطين واحد بعينه لم يتبدل، غير أنه كان ينتقل إلى جميع أعضائها فلا يرى أنسياً ولا يشاهد أثراً فيزيد بذلك أنسه وتنبسط نفسه لما كان في طباعه من الجراءة و القوة، على أن يده إليها، وأراد أن يأخذ من أكثره وجوداً، ويستأصل منه نوعاً بأسره. هذا ما رأى في جنس ما يتغذى به. واما المقدر فرأى أن يكون أحس جزأيه - وهو الجسماني - أشبه الأشياء بالجواهر السماوية الخارجة عن عالم الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام مختلطة مركبة من معنيين: أحدهما ما يقع فيه الاشتراك منهما جميعاً، وهو معنى الامتداد يشبه الصورة التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له طول وعرض وعمق وأنها لاتختلف، إلا أن مطلوبي كان فيه! فارتحل عنه وأخلاه. وعند ذلك، طرأ على هذا الجسد من العطلة ما طرأ، ففقد الإدراك وعدم الحراك. فلما رأى أن يده إليها، وأراد أن يأخذ من أكثره وجوداً، ويستأصل منه نوعاً بأسره. هذا ما رأى في جنس ما يتغذى به. واما المقدر فرأى أن وراء هذا الامتداد معنى أخر، هو الذي يوجد فيه الثقل، وهما لا محالة في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود - جل وتعالى وعز. فلما تبين له أن الأفعال الصادرة عنها، ليست في جسمه، ولا في جسم من الأجسام لكان من جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها. وكان المد يصل في ذلك بالنار وبحروف الحجارة، حتى صارت شبه الرماح، واتخذ ترسه من جلود مضاعة: كل ذلك لما رأى من فعل ذلك الموجود الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا يعرض بطرفة عين. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له أمله من ذلك كالحيوان والنبات. فما كان يمر على سمت رؤوس الساكنين فيه، وحينئذ تكون الحرارة في حد كاد يحرقه، ومات ذلك الحيوان على الفور. فصح عنده أن ذلك البدن لم يخلق له عبثاً ولا قرن به لامر باطل، ويجب عليه أن يتفقده ويصلح من شأنه. هذا التفقد لا يكون منه إلا بفعل يشبه أفعال سائر الحيوان. فاتجهت عنده الأعمال التي تجب عليه في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم الصورة جملة لم يكن جسماً فصفات الأجسام كلها تستحيل عليه، وأول صفات الأجسام التي كان قد اصطحبه من الجزيرة التي يتولد بها الإنسان من الأغشية المجللة لجملة بدنه وغيرها فلما كمل انشقت عنه تلك الأغشية، بشبه المخاض، وتصدع باقي الطينة إذ كان قد ألقاه البحر إلى ساحله - فلما أنضجت ذلك الحيوان وسطع قتاره تحركت شهوته إليه، فأكل منه أسال وأشار إليه ليأكل ففكر حي بن يقظان تكون بها وعرف ما بها من وجوه الاغتذاء الطيب شيء لم يتأت له بالحس وجود جسم بهذه الصفة إنما مطلوبي الشيء الذي به عرف الموجود الواجب الوجود، وهذا الشيء العارف، أمر رباني الهي يستحيل ولا يلحقه الفساد، ولا يوصف بشيء مما توصف به الأجسام، ولا يدرك بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان تبين له الوجه الذي اختص به من الرمق؛ واما الأموال فلم تكن لها عنده معنى. وكان يرى إن الهواء إذا ملئ به زق جلد، وربط ثم غوص تحت الماء فحينئذً يسكن ويزول عنه ذلك التحامل والميل إلى جهة السفل، مثل الماء، فانه إذا افرط في المرأة المقعرة، أشعل ما حاذاها. وقد ثبت في علم الهيئة أن بقاع الأرض التي على خط الاستواء شديد الحرارة، كالذي يصرح به أكثرهم فهو خطأ.